دعم الموسوعة:
Menu

الموسوعة الکبرى

 

بقلم: مهند السماوی

 

لیس سهلا ان یؤلف او یصنف المرء کتابا ما...اما ان یتوسع فی عمله الى تألیف موسوعة ما خاصة على شکل دائرة معارف عامة،فذلک لیس بالامر الهین کما یتصوره البعض فمن الصعب جدا على الانسان خاصة فی ظل عدم توفر الامکانیات والظروف المناسبة ناهیک عن عمره القصیر،فی ان یقوم بترک عملا معرفیا ضخما یمکن الاشارة الیه...hussaini-encyclopedia-03

لقد کسر تلک القاعدة الکثیر من العباقرة وخاصة ذوی الصبر الطویل على تحمل المشاق النفسیة والبدنیة،وقد یکون من اصعبها تحمل الاذى فی سبیل اتمام العمل وانهائه بل وحتى بعد اتمامه فأنه لن یکون بمأمن من الاذى والتی من اصعبها السخریة والاستهجان! خاصة دون مراعاة الدوافع والاهداف... تلک هی الطبیعة البشریة والتی تحمل من الصفات السیئة ما تجعل الشیاطین تهرب من بشاعتها!...

ولکن التاریخ یحمل لنا صورا مشرقا فی اعطاء اصحاب تلک الاعمال الجلیلة حقهم الطبیعی من القیمة المادیة والمعنویة العالیة،ولکن ذلک لیس دائما! فأحیانا کثیرة یکون ذلک بعد رحیل صاحب العمل من هذه الدنیا بفترة طویلة!ویکون على شکل اعادة الاعتبار الیه...والامثلة عدیدة منثورة فی تاریخ الانسانیة الملیء بصفحات سوداء !...

بدأ تدوین المعارف منذ بدایة التاریخ ونظرا لتوسع العلوم والمعارف المختلفة، توسعت الاعمال التدوینیة لتصبح على شکل موسوعات ضخمة فی مختلف العلوم والفنون والاداب،وبمرور الزمن تزایدت اعداد تلک الاعمال الضخمة واصبحت من الکثرة الى درجة یصعب حفظها فی مکان واحد!...

 

  •  حرق المعارف المدونة:

لم تنجو تلک الموسوعات المعرفیة کغیرها من الکتب المدونة من الاتلاف والحرق! ومازالت تلک الصفة المشینة موجودة لحد الان فی هذا العصر الموصوف بعصر التقدم!...فکل نظام اذا اتى قام بأتلاف کل ما یتعلق بالمرحلة التی سبقته التی تعارض مرتکزاته وخاصة التی تتعلق بمکونات الشخصیة السابقة!... وتلک الصفة القبیحة بقیت متوارثة وقد اشتهرت بعض الوقائع الوحشیة بها من قبیل اتلاف المغول للتراث المعرفی الانسانی فی بغداد عند غزوها،وقبلها اتلاف صلاح الدین الایوبی لتراث الفاطمیین فی مصر،واتلاف النازیین لتراث الیهود فی اوروبا الى اخره من الامثلة المشینة!...وبالتالی فأن فقدان البشریة لتراثها بقی سائدا وعلى ید صانعها الانسان!...من هذا المنطلق بقیت الحاجة الدائمة لتدوین المعارف المختلفة بغیة الحفاظ علیها من فقدانها،وقد برزت فی العقود الاخیرة ظاهرة تواجد الکثیر من المراکز البحثیة التی تقوم بعمل جماعی مشترک فی تألیف وتصنیف الکثیر من الموسوعات ودوائر المعارف لخدمة الحضارة الانسانیة وکلا حسب عمله الذی یختلف بأختلاف الاشخاص والدول والظروف بالطبع...

ولکن تبقى للعمل الفردی نکهته الخاصة فی کونه عملا جبارا یستحق اعلى المراتب من الرعایة والتقدیر،ولکونه عملا خارج المألوف من القدرة الطبیعیة للانسان الذی تکون قدرته محدودة...ومهما کانت الاخطاء او النواقص التی تواکب ذلک العمل وهو شیء طبیعی لکون الانسان غیر معصوم ویعمل فی ظل ظروف قاهرة غالبا بغیة انجاز تلک الاعمال الجبارة فانه یستحق کل تقدیر ودعم من قبل الاخرین...

لم یضعف العمل الموسوعی فی عصرنا الحاضر بعد التقدم الکبیر فی الوسائل التکنولوجیة التی تساعد على انجاز تلک الاعمال خاصة تلک المتعلقة بالتصنیف الذی یختلف عن التألیف الذی یکون اکثر صعوبة لکون الاخیر اکثر نتاجا لابداعات الانسان وابتکاراته،ولکن العمل التصنیفی لا یخلو ایضا من صعوبات جمة! خاصة فی العهود السابقة وفی ظل البحث المستمر بین رفوف لاتنتهی من المخطوطات التی لم تطبع لحد الان رغم مرور الاف السنین على وجود بعضها!...

اما اذا کان العمل جامعا بین التصنیف والتألیف فتلک المهمة تکون صعبة جدا خاصة فی ظل مراجعة وتحقیق وتبویب وتصنیف الکتب والمقالات المطبوعة والمخطوطة والمسموعة مع تحلیلها وشرحها وفق نظرة المؤلف التی قد تکون مختلفة عنها،وعلى هذا الاساس یبقى نجاح تلک الاعمال مشروطا بشرط الصبر على تحمل الصعاب البدنیة والنفسیة والتی تؤخر انجاز واتمام تلک الاعمال التی تفوق احیانا قیمة الموسوعات الالکترونیة الجماعیة والتی رغم قیمتها فأن العمل الجماعی یساعد مع توفر الوسائل التکنولوجیة المتقدمة على انجازه بأسرع وقت ممکن وطرحه فی الشبکة الالکترونیة ومطابعها التابعة لها...

وفی حقول العلوم الدینیة المختلفة،ترک لنا الفقهاء والباحثین الکثیر من الدوائر المعرفیة التی انجزت خلال عقود طویلة من الزمن وبطریقة یجعل الاخرون یعجبون من قدرة وتحمل مؤلفیها على انجاز تلک الاعمال المختلفة،وتبرز هنا تفاسیر القرآن الکریم وعلومه المختلفة فی الصدارة نظرا لتوسع تلک العلوم والتی تراکمت المعرفة بها خلال العصور المختلفة وقد وصلت بعض التفاسیر الى مایزید عن ستین مجلدا !...

  کذلک فأن علوم الفقه قد توسعت هی الاخرى فی دوائر معرفیة الى درجة اصبح من الصعب جدا على الباحثین المختصین متابعتها فکیف بالناس العادیین!وقد وصلت بعض الموسوعات الفقهیة وخاصة التی تتناول معظم الاراء وفق مختلف المدارس الفقهیة ،الى مئات المجلدات کما هو معروف من الامثلة المتداولة...

 

* الموسوعة التدوینیة الکبرى:

لا یقف النمو فی حجم تلک الموسوعات على حد معین بل هو مستمر بتقدم المعرفة وتراکمها الکمی والنوعی،ولذلک فأن الانسان فی تقدم مستمر فی هذا المجال الا اذا قام الاشرار بأتلاف عمله لاسباب مختلفة!...

لکن السؤال الذی یطرح نفسه هنا!...من هی اکبر موسوعة معرفیة مدونة من خلال شخص واحد فی التاریخ؟!...

الجواب على ذلک بسیط! هو: دائرة المعارف الحسینیة....

لمؤلفها العلامة المجتهد الدکتور الشیخ محمد صادق محمد الکرباسی (1947-) المقیم فی لندن منذ عام 1986 والذی بدأ بعمله الضخم هذا فی محرم 1407ه الموافق 1987 اثناء تأثره بالشعائر الحسینیة مما ولد لدیه الدافع الذاتی القدیم على انجاز هذا العمل المعرفی الضخم الذی لم یسبقه احد فی ذلک کونه رائدا شاملا فی جمع وشرح وتعلیق وتحلیل وتبویب کل ما یتعلق بالامام الحسین(ع) ونهضته العملاقة وکذلک مایتعلق بأصحابه ومن والاه ومنذ انطلاق الثورة ولحد عصرنا الحاضر ومن خلال جمع کل المعارف وبمختلف انواعها المطبوعة والمخطوطة حتى وصل بعد حوالی عقدین من الزمن الى نتیجة مذهلة فی وصول عدد اجزاء تلک الموسوعة الکبرى الى مایفوق ال650 مجلدا ضخما والعمل مستمر بدون توقف برغم ضألة حجم الامکانیات المتوفرة له!...

لقد کسرت تلک الموسوعة جمیع الارقام القیاسیة بحجم ونوعیة دوائر المعارف المؤلفة وبرغم عجز المطابع عن طبعها جملة واحدة فقد تم لحد الان(2009) طباعة عشر اجزائها فقط!...ولکن لحسن الحظ وضع المؤلف ومرکزه البحثی موقعا الکترونیا فی شبکة الانترنت یعرف بالمؤلف الذی یعود نسبه الى مالک الاشتر احد اشهر اصحاب الامام علی (ع) واسرته العلمیة وبالموسوعة ومحتویاتها وما قیل عنها فی متناول ید الجمیع على العنوان :

 http://hcht.org/ar_default.asp

لقد ترک ذلک العمل الجبار اثرا بالغا فی نفوس العلماء ومحبی العلم والمعرفة بالاضافة وبالاضافة الى مشاهیر السیاسة والادب وقد کانت تلک الاشارات هی ابسط تقییم لذلک العمل المعرفی الکبیر الذی لم یمیز بین بین الاجناس والعصور المختلفة وانما غرضه العام هو نشر کل ما یتعلق بالتراث الحسینی الضخم...

ومن ابرز ماتناولته تلک الموسوعة الکبرى هو الادب الحسینی سواء نظما ام شرحا ام ادراج سیرة الشعراء الذین ترکوا ثروة ادبیة هائلة فی التراث الحسینی وقد تجاوزت الاجزاء المتعلقة بذلک اکثر من 140 مجلدا !...

ان حفظ  التراث الحسینی ومن مختلف جوانبه هو حفظ لتراث الانسانیة الخالد وهو یمثل بحق ثروة معرفیة لاتقدر بثمن مادی او معنوی...وانجازها بتلک الصورة الرائعة هو یمثل درسا بلیغا لکل محبی العلم من خلال العمل به والتی من ابرز مصادیقها هی الصدق والاخلاص والاصرار برغم المصاعب والاخطار...وکذلک هی مثال محزن على عدم الاهتمام بالعباقرة والمبدعین بل ومحاولة تصفیتهم الجسدیة بعد تصفیتهم المعنویة،بینما نجد الامم المتحضرة تتسابق فیما بینها لیس فقط فی العنایة بمبدعیها بل وفی دعوة العقول الاجنبیة للاستیطان فی ارضها ومنحهم کل الامتیازات بغیة الاستفادة منهم فی بناء حضارة انسانیة شاملة لاتفرق بین البشر،بینما تبقى الامم المتخلفة هی امم طاردة وقامعة لکل عقولها البارزة ومصادرة ومحاصرة من یتجاوز الخطوط الحمراء!...

http://inciraq.com/pages/view_page.php?id=33284