دائرة المعارف الحسینیة فی أروقة معرض بغداد للکتاب

خلال انعقاد الملتقى الثقافی المتمثل في معرض الکتاب في عاصمة المجد والخلود وعلى أرض معرض بغداد الدولی بمشارکة 241 دار نشر عراقیة وعربیة وأجنبیة فی 32 ألف عنوان للفترة (20 نیسان- 5 أیار 2011م)، وکخطوة أولى تم عرض نتاجات أدبیة وثقافیة نحن أحوج ما نکون لها فی المرحلة الحالیة، لاسیما ونحن فقدنا مثل هذه الملتقیات الأدبیة وتکالبت علینا هجمات شرسة أعطت صورة للعراق مغایرة لصورته الحقیقیة وأنه بلد یسوده الإرهاب والقتل، وتنقصه ثقافة التسامح وقبول الرأی.

 الیوم الصورة حاضرة ومشرقة فی هذا الملتقى وهی لسان صدق ورسالة إلى کل العالم بأنَّ الثقافة هی مزیج من المعتقدات والتقالید والأفکار والقیم التی تتحلى بها الشعوب، کما أنها هویة الشعب العراقی لسنین عدیدة، وما رأیناه فی معرض الکتاب الأول من ثقافات متنوعة وکتب تحمل أفکاراً ورؤى مستقبلیة ودراسات حملت معانی ومعطیات للواقع الإسلامی والعربی ونظریات أعطت للفکر مساحة وستراتیجیة وعشرات الألوف من العناوین موسومة على کتب العلم والثقافة والدین معروضة فی أقسام المعرض، ولکن تبقى موسوعة دائرة المعارف الحسینیة لمؤلفها العلامة الدکتور محمد صادق الکرباسی التی صدرت عن المرکز الحسینی للدراسات فی لندن، هو الإرث الأکبر والإشعاع الفکری الوهاج، وهو العطاء الزاخر، وقد توسمت أجزاؤها ذات الأبعاد الثلاثیة فی عیون الزائرین ووقف الکثیر منهم بما فیه کاتب السطور یتأمل ضخامة هذا المنجز والذی یحمل دلالات الثورة الحسینیة وقراءة من الشاطئ الآخر، وقد نال إعجاب کل من زار المعرض، وهذا السفر الذی یتکون من 630 مخطوطة وطبع منها 63 مجلداً بالتأکید تطلب هذا العمل مجهودا فکریا وجسدیا ووقتا کثیراً أفناه المؤلف وإلاَّ لا یمکن أن یصدر بهذا المستوى الضخم خدمة لنشر الثورة الحسینیة من جمیع جوانبها ودلالاتها السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة، ولم یغفل أی جانب منها، حیث بدأ بهذا العمل الجبار من لندن منذ عام 1987م ولازال مستمراً بالتنفیذ والبحث والتحقیق، ومن المؤمل أن یدخل هذا العمل موسوعة غینتس للأرقام القیاسیة.

 وعند تصفحنا فی بعض مجلدات الموسوعة الحسینیة وجدنا أنَّ أکثر من أربعین شخصیة عالمیة أدبیة وفکریة ومن مختلف الدیانات استطلعت أجزاء الموسوعة ووسمتها بعبارات الارتیاح، وبخاصة ما جاء فی کتاب "نزهة القلم: قراءة نقدیة فی الموسوعة الحسینیة" لمؤلفه الدکتور نضیر الخزرجی الذی ضمَّ عشرین مقدمة أجنبیة ومثله کتاب "أشرعة البیان: قراءة موضوعیة فی الموسوعة الحسینیة" للمؤلف نفسه والمعد للطبع والذی یضم هو الآخر عشرین مقدمة أجنبیة، وهذا دلیل على أنَّ الکرباسی قد جسَّد معانی الثورة الحسینیة وأعطى رسالة مفادها أنَّ ثورة الحسین هی ثورة مستمرة لکل العصور وفیها نفحات مشرقة على جمیع الدیانات دون استثناء.

 أما فی ما یخص العمل الأکادیمی فإن أکثر من رسالة ماجستیر ودکتوراه أخذت عن دائرة المعارف الحسینیة لسعتها وغزارة حوادثها فلا یحتاج الباحث عن مصادر یعزز بها رسالته أثناء البحث.

وما یتمیز به هذا الصرح المعرفی عن غیره أنَّ الموسوعة الحسینیة لم تتقوقع فی دائرة الصراع العسکری ونتائجه بل شملت فصول الآداب والشعر والأحادیث فی السنة والقرآن الکریم والرؤیا ومشاهد التأویل والصحیفة الحسینیة والسیرة الحسینیة، والعمارة، والخط، والفن، والمسرح، والتاریخ، والسیاسة، وخصص أکثر من مجلد لأنصار الحسین وتاریخ المراقد ....الخ.

ومن ابرز الشخصیات التی اقتنت هذه الموسوعة رئیس إقلیم کوردستان السید مسعود البرزانی والعلامة السید سامی البدری وبعض المرجعیات الدینیة فی العراق والعالم العربی والإسلامی، وصدق أمیر المؤمنین علی علیه السلام وهو یوصی کمیل بن زیاد النخعی (12- 82هــ) عندما قال: "العلم خیر من المال، العلم یحرسک وأنت تحرس المال، العلم یزکو على العمل والمال تنقصه النفقة"، بالأمس صدر من العلامة المجلسی موسوعة بحار الأنوار التی تضم 110 أجزاء، والیوم ولأول مرة عبر التاریخ الإسلامی تشهد المکتب العربیة ولادة حدیثة ذات معرفة أغنت العلماء والمثقفین وأصحاب الفکر والباحثین وأضافت رصیدا فکریاً وإرثاً حضاریاً یسجله التاریخ على أنه منجز العقل البشری وحالة الإبداع التی وصلت إلى المکتبة العربیة، وقد أبدع فیها المؤلف تحقیقا وتألیفا جزاه الله خیر الجزاء.

صادق غانم الأسدي

کاتب وتدریسی عراقی- بغداد